إنفاذ جيش أسامة
كان الرسول صلى الله عليه وسلم</SPAN></SPAN> قد أوصى بإنفاذ جيش أسامة بن زيد لقتال الروم قبل وفاته، وجهّز الجيش، وخرج الجيش على مشارف المدينة، ولكنهم لمَّا علموا بمرض الرسول صلى الله عليه وسلم</SPAN></SPAN> لم يخرجوا، فكان أول قرار يأخده أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه</SPAN></SPAN> في الخلافة، هو قرار إنفاذ بعث أسامة بن زيد، ولكن الجزيرة العربية كلها ارتدتْ عن الإسلام، وكلها تتوعَّد المدينة، وهذا الجيش الخارج من المدينة لم يكن موجَّهًا إلى من ارتدوا، ولكن كان موجهًا إلى الرومان، ولم يكن في منطقة قريبة من المدينة حتى يستطيع أن يأتي إليها إذا داهمها المرتدُّون، بل كان خارجًا إلى مشارف الشام، ومع ذلك أصرَّ أبو بكر رضي الله عنه</SPAN></SPAN> أن يُنفِذَ هذا الجيش مع كل ما يحيط بالمسلمين من خطورة. فثار عليه بعض الصحابة، وكلموه في ذلك، فقال لهم كلمة تسجل بحروفٍ من نور:
"والله لا أحلُّ عقدةً عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم</SPAN>، ولو أن الطير تخطفنا، والسباع من حول المدينة، ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزَنَّ جيش أسامة".
وبالفعل يخرج جيش أسامة بن زيد، فتكلمه الصحابة في أمير الجيش، ويأتى له عمر بن الخطاب رضي الله عنه</SPAN></SPAN>، ويقول: "لو اتخذت أميرًا غير أسامة بن زيد". وكان سِنُّهُ يومئذِ 17 أو 18 عامًا، يطلب منه عمر أن يُنَصِّبَ أميرًا أكثر حكمة منه؛ لأن الأمر صعب. فيمسكه أبو بكر رضي الله عنه</SPAN></SPAN> من لحيته ويهزُّه ويقول له: "ثكلتك أمُّك يابن الخطاب! أمنع أميرًا أمَّرَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم</SPAN></SPAN> عن إمارة جيشه؟!". ويخرج بعث أسامة بن زيد من المدينة إلى مشارف الشام, والجزيرة العربية كلها مُتَأجِّجَةٌ في نار الردَّة.
لما خرج الجيش إلى أطراف الشام فرَّت منه الجيوش الرومانية في هذه المنطقة، فلم يلقَ قتالاً، فوجد بعض القبائل في هذه المنطقة ارتدَّتْ، فقاتلهم، وشتَّتَ شملهم، وهزمهم، وعاد بسرعة إلى أبي بكر الصِّدِّيق في المدينة، ومعه الغنائم من هذه الموقعة. وخروج الجيش إلى شمال الجزيرة أحدث بكل القبائل العربية الموجودة في هذه المنطقة رهبةً من المسلمين؛ مما جعلهم يظنُّون أن للمسلمين قوةً في المدينة، وأن هذا جزءٌ صغير من الجيوش، فقرَّرَتْ عدم الهجوم على المدينة وإيثار السلامة، مع أنه لم يكن هناك جيش بالمدينة، إلا أنها كانت حكمة من الله تعالى</SPAN> ألهم بها نبيَّه، ووفَّق لها أبا بكر، فكانت هذه فائدة عظيمة من خروج جيش أسامة بن زيد رضي الله عنه.